بقلم/ د.بوبكر أنغير
الى امد قريب اسير توجه أيديولوجي مشرقي موروث عن الحقبة القومية العربية التي بنت أسس سيطرتها على تنصيب العداء لإسرائيل في اطار ما يسمى بالمقاومة و الممانعة وجدار الصد و شارك المغرب فعليا في حروب كثيرة مع إسرائيل جر اليها جرا للدفاع عن ” الوحدة العربية” المتوهمة في سياق تاريخي اتسم بالتنافس بين الأنظمة العربية حول من يزايد على الاخر في معاداة إسرائيل و محاولة ازالتها من الوجود ، لكن مياه كثيرة جرت تحت جسر العلاقات الدولية وتحديدا العلاقات المغربية الإسرائيلية وتراكمات نوعية غيرت العلاقات البينية بين البلدين من الخصومة والاستعداء الى الشراكة الاستراتيجية والعمل المشترك من اجل مصالح البلدين و ما تقتضيه رهانات الشعبين .
يسجل التاريخ لمن يحتاج التذكير ان الحركة الامازيغية المغربية ومناضليها كانوا السباقين على الصعيد المغربي في المناداة بل و العمل على توطيد العلاقات المغربية الإسرائيلية وقاسوا من اجل هذه المواقف الكثير و تعرضوا للمضايقات وكانوا عرضة لحملات التشهير و التخوين بل والتكفير أحيانا ،لذلك لابد ان نعطي لكل ذي حق حقه في هذا المجال . لكن ياترى ماذا سيربح المغرب دولة وشعبا من هذه العلاقات ؟ ثم ماذا خسر اثر إعادة تطبيع العلاقات ؟ هذه تساؤلات منطقية و عقلانية لابد من مقاربتها ولو بشكل سريع .
فالربح المغربي من العلاقات مع إسرائيل لا يحتاج الى الكثير من الفطنة و الذكاء ليتم اكتشافه ، يكفي ان نعرف بان المغرب سيستفيد عسكريا من السلاح الإسرائيلي المتطور و خصوصا من تكنولوجيات تصنيع الطائرات المسيرة والتي من شان امتلاكها ان يغير التوازن الاستراتيجي العسكري في المنطقة لصالح الجيش المغربي . التعاون الاستخباراتي و الأمني في ميادين محاربة الإرهاب و التجسس و الجريمة المنظمة و الجريمة الالكترونية كلها مجالات سيستفيد فيها المغرب من التجربة الإسرائيلية الرائدة في هذا المجال . اقتصاديا وسياحيا وتجاريا سيستفيد المغرب من السوق الاتسرائيلية و من توافد الالاف السياح الإسرائيليين الذين يدرون على خزينة الدولة المغربية عملة صعبة هامة بالنسبة للاقتصاد المغربي ناهيكم عن الحركية والانتعاش السياحي الذي سيعرفه قطاع السياحة مغربيا بعدما عانى كثيرا من تداعيات جائحة كورونا ، كما ان تدفق الاستثمارات الإسرائيلية في مجالي الطاقة والفلاحة و الصناعات الثقيلة ربح كبير للاقتصاد المغربي ، على الصعيد الديبلوماسي والسياسي ربح المغرب صوتا مؤثرا في المؤسسات الدولية وفي المنظومة الأممية ، فإسرائيل عكس ما تروجه بعض القنوات و المنابر الإعلامية المؤدلجة لا تعيش عزلة دولية ولا تعاني من عقدة الذنب ، بل اسرائيل لها وزن دولي قوي و صوت مسموع في الاقتصاد والسياسة الدوليين ، ولعل زيارة بايدن الاخيرة لاسرائيل من حيث مدة الزيارة وما تمخض عنها من اتفاقيات عسكرية وامنية واقتصادية دليل قاطع على ان الادارة الامريكية تكن احتراما كبيرلاسرائيل و تتعهد بحمايتها وتعزيز التعاون معها بغض النظر عن لون سياسي الولايات المتحدة ديموقراطيين او جمهوريين لا فرق وقس على ذلك كل دول العالم التي تطبع علاقاتها مع إسرائيل في القارات الخمس . اسرائيل اقوى دولة عسكريا في الشرق الاوسط وامتن ديموقراطية كذلك ، فالتداول السلمي الديموقراطي على السلطة في اسرائيل نموذج يحتدى به مقارنة مع انظمة عربية وشرق اوسطية لا يتم التداول فيها على الحكم الا بدافع الوفاة او الانقلاب على الرئيس .. المعطيات السالفة الذكر تجعل التحالف المغربي مع اسرائيل فيه ربح كبير للمغرب و لاسرائيل معا ولاسيما ان المغرب بدا جني الثمرات السياسية والديبلوماسية بعد تواتر الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء و بسيادة المغرب الكاملة على اقاليمه الجنوبية.
اذا كان الربح واضحا فماهي الخسارة من هذه الشراكة بين البلدين ؟ لاشك ان شريحة واسعة من المغاربة ومن الشعوب الأخرى لاتتفق مع سياسات إسرائيل في المنطقة ، خاصة وان تعثر الحل النهائي للقضية الفلسطينية واستمرار سياسات الاستيطان و جمود مفاوضات الحل النهائي و تعثر جهود التسوية السلمية التي تعطي للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي فرص العيش الكريم كلها عوامل كبلت وعي الشعوب و جعلتها أسيرة شعارات ماضوية تتعلق بآمال بل بأوهام انهاء دولة إسرائيل و ازالتها من الوجود مستندة في ذلك في بعض الأحيان على رؤى منامية واضغاث أحلام . الأكيد كذلك ان الشيطنة التي تعرضت لها إسرائيل لعقود طويلة لا يمكن محوها بجرة قلم ، لذلك سيفقد المغرب الرسمي بعضا من شعبيته الداخلية وبعضا من مريديه خصوصا من الإسلاميين والقوميين، لكن مع مرور الأيام والسنين وتبخر الشعارات القومية المضللة وامام التطبيع الشرق اوسطي الشامل مع إسرائيل ، سيقتنع باقي المغاربة بان إسرائيل دولة قائمة الذات، قوية بعلمها وسلاحها و هويتها ، وان الشراكة معها فيه باس شديد ومنافع للناس وان المستقبل لم يعد يبنى بالشعارات والاماني و الاستبداد الديني و السياسي ،
بل تبنى الأوطان بالعلم والعمل والتدافع الحضاري و الاستفادة من خبرة الاخرين بغض النظر عن دينهم والوانهم واجناسهم . عندما يتحالف المغرب مع إسرائيل فانه في الحقيقة يصالح تاريخه و تعود سياسته الى السكة الصحيحة المبنية على التوازن و احترام كل شعوب العالم وفق المصلحة الوطنية العليا . الم يكن المرحوم الملك محمد الخامس هو من رفض التفريط في أبناء وطنه من اليهود وتقديمهم قرابين لحكومة فيشي الموالية للنازية ؟ اليس وريث سره الحسن الثاني هو من أسس للمفاوضات السرية قبل العلنية التي جمعت الفلسطينيين والإسرائيليين قبل مؤتمرات أوسلو ومدريد ؟ اليس الملك محمد السادس هو الذي امر بالتنصيص على البعد اليهودي في الدستور المغربي و بادر بإعادة الاعتبار للمكون اليهودي المغربي في كل المجالات ؟
ان الاعتراف الدستوري المغربي بالبعد العبري كبعد مؤسس للهوية المغربية الجامعة من حيث ان البعد اليهودي مكون أساسي مؤسس للهوية والثقافة المغربيتين هي بداية كتابة تاريخ جديد في العلاقات بين كل مكونات الهوية المغربية وبداية كذلك إعادة الاعتبار لمكون ساهم في بناء المغرب في فترات تاريخية حاسمة من تاريخ المغرب . لذلك لا نفاجئ عندما نرى او نسمع بان مغاربة إسرائيل اكثر تشبتا بالمغرب و بثقافته و بهويته اذ ان معظم من سكنوا إسرائيل اليوم هم احفاد وأبناء اليهود المغاربة التواقين لمغربهم ومغربيتهم ، فمرحبا بالعلاقات المغربية الإسرائيلية خارج كل الحسابات الأيديولوجية والشعارات السياسية المخادعة. .
* -خريج السلك العالي بالمدرسة الوطنية للإدارة الرباط 2010
-خريد المعهد الدولي لحقوق الانسان ستراسبورغ 2012
-خريج المدرسة المواطنة للدراسات السياسية 2015
-المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان –المغرب-