Home »
أخبار جهوية »
“مؤسسات الريادة” ..أو حينما تُعامِل المنظومة تلاميذ من منطاق بفوارق مجالية اجتماعية بنفس المعيار
“مؤسسات الريادة” ..أو حينما تُعامِل المنظومة تلاميذ من منطاق بفوارق مجالية اجتماعية بنفس المعيار
يشكل انتقال الوزارة من الاكتفاء بوضع المعايير والأطر المرجعية إلى التدخل المباشر في إنجاز الفروض وجدولتها زمنيا داخل “مؤسسات الريادة”، انزياحا نحو هندسة مركزية قد تمس جوهر استقلالية المؤسسة التعليمية ومسار اللامركزية الذي راهنت عليه الإصلاحات السابقة.
ويطرح هذا التوجه القائم على “التوحيد الشامل” والتدبير التقني الفوقي، تساؤلات جدية حول مدى انسجامه مع هامش التصرف البيداغوجي الممنوح محليا، حيث يبدو هذا النزوع التكنوقراطي أقرب إلى تقليص صلاحيات التدبير المحلي لفائدة مركزية القرار في تفاصيل المراقبة المستمرة.
ويصطدم مبدأ “الإنصاف وتكافؤ الفرص” بواقع الفوارق المجالية والاختلالات البنيوية التي تعرفها المنظومة، إذ تفرض الوزارة تقييما موحدا في الزمن والموضوع على تلاميذ تباينت ظروف تعلمهم بسبب تعليق الدراسة أو نقص الوسائل أو قلة الموارد البشرية. ويعتبر تطبيق “مساواة شكلية” في لحظة الامتحان على متمدرسين لا يتوفرون على “مساواة فعلية” في شروط التحصيل، تجاوزا للمقاربة الحقوقية السليمة، مما يحول التقويم الموحد من أداة لقياس الكفايات إلى آلية قد تعيد إنتاج التفاوتات وترسخها بدلا من معالجتها.
وفي هذا السياق، أوضح الخبير التربوي، عبدالله بادو في تصريح إعلامي أن تنزيل نموذج “مؤسسات الريادة” بصيغته التنظيمية الجديدة لا يكتفي بوضع معايير مرجعية وضوابط عامة للتقويم، بل ينزاح تدريجيا نحو هندسة مركزيةٍ مباشرة لزمن الفروض وموضوعاتها، في اتجاه ما يُشبه “إدارة تقنية من فوق” لمسار المراقبة المستمرة.
وقال إن هذا التحول من مستوى التأطير المعياري إلى مستوى التدخل الإجرائي في الإنجاز والجدولة يطرح سؤال الانسجام مع مسار اللامركزية واللاتمركز، ومع الفلسفة الأصلية لاستقلالية المؤسسة التعليمية التي راهنت عليها الإصلاحات منذ الميثاق الوطني وما تلاه من نصوص.
ولفت الباحث في الشأن التربوي ضمن تصريحه إلى أن الانتقال من منطق التأطير العام (المعايير والأطر المرجعية) إلى التدخل المباشر في مواضيع الفروض وتواريخها داخل مؤسسات الريادة يحمل فعلا ملامح ارتداد مركزي يمس جزءا من المكتسبات التي راكمها خيار اللامركزية والاستقلالية البيداغوجية للمؤسسات، خاصة عندما يتم تنزيله بصيغة “التوحيد الشامل” التي لا تُراعي الفوارق المجالية والظروف الطارئة.
وتابع المتحدث أن مقاربة حقوقية جدية للإنصاف وتكافؤ الفرص لا تنسجم مع “مساواة شكلية” في التقييم تُحاسِب الجميع على نفس المقرر في نفس الزمن، بينما تفاوت زمن التعلم والوسائل والظروف يجعل النتائج غير قابلة للمقارنة من حيث العدالة الجوهرية.
في المقابل، يضيف بادو، تُقدَّم آلية التوحيد الشامل للمواضيع والمواعيد كمدخل لضبط الجودة وضمان تكافؤ الفرص بين المتعلمين عبر التراب الوطني؛ غير أن هذا المنطق يصطدم بسرعة بواقع الفوارق المجالية والاختلالات البنيوية: مناطق عرفت تعليقات متكررة للدراسة بسبب التقلبات المناخية، مؤسسات عانت خصاصاً في الأطر أو تأخراً في العدة والكتب، وأقسام لم تستوف الزمن التعلمي الفعلي للمقرر نفسه الذي يُمتحَن فيه الجميع في التاريخ ذاته.
وأضاف: “هنا يتبدى تناقض بنيوي بين مساواة شكلية في الاختبارات وبين غياب مساواة فعلية في شروط التمدرس والتعلم، بما يجعل نتائج التقويم الموحد تعكس تفاوت العرض التربوي أكثر مما تعكس مستوى تحكم المتعلمين في الكفايات المستهدفة”.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الحديث عن “الإنصاف وتكافؤ الفرص” لا يمكن اختزاله في تعميم نفس الفرض على جميع التلاميذ، بل في ضمان حقهم المتساوي في زمن التعلم، وفي الدعم والمواكبة، وفي ظروف بيداغوجية ومجالية متماثلة قدر الإمكان قبل المرور إلى لحظة المحاسبة.
وأوضح أنه حين تُعامِل المنظومة تلاميذ المناطق المتضررة من تعليق الدراسة أو من ضعف التجهيز بنفس معيار التلاميذ الذين استفادوا من مسار تعلُّمي منتظم، فإننا ننتقل من منطق الإنصاف إلى منطق “المساواة الصورية” التي تُخفي اللامساواة الفعلية، وتحوِّل التقويم الموحد إلى آلية لإعادة إنتاج الفوارق وترسيخها بدل أن يكون أداةً لقياسها وتضييقها.
وخلص الإطار في وزارة التربية الوطنية إلى أن نظام التقويم الموحد في مؤسسات الريادة يطرح سؤالاً مزدوجاً: من جهة، مدى استمرارية خيار اللامركزية واستقلالية المؤسسة أمام نزوع تكنوقراطي مركزي يميل إلى التحكم في التفاصيل؛ ومن جهة ثانية، مدى قدرة هذا الخيار على الانسجام مع مقاربة حقوقية للإنصاف تَعتبر أن العدالة التعليمية لا تُبنى فقط بتوحيد أداة التقويم، بل أساساً بتقويم شروط التعلم ذاتها، وبإعادة توزيع الموارد والدعم وفق ما تكشفه الاختلالات المجالية والبيداغوجية.
2025-12-24
اعلانات