بقلم: الحسين هداري°
لازال العمل السياسي في جهة كلميم واد نون لم يساير الاليات الحديثة واعتبارات جديدة خاصة، في ظل دستور 2011 الذي أعطى الفرصة للدخول في عمل سياسي بساير التطورات الحديثة و يلح على تحديث الاليات و الأهداف و صوت عليه المغاربة وغالبية الأحزاب السياسية من هذا المنطلق. وفي ظل وجود قانون للأحزاب السياسية الجديد ضمن إطار عام دخله المغرب سمي بالجهوية المتقدمة، لكن واقع الحال يشهد أن هناك آليات أخرى “تقليدوية ” تتحكم في حركية العمل السياسي بجهة كلميم واد نون و بعض رموزه ومن يريد أن يدخل فيه نفسه غصبا أو مضطرا، غير تلك المتعلقة بالولاء للعملية الانتخابية و لنتائج صناديق الاقتراع .
الأحداث التي عرفتها كلميم منذ إعفاء الوالي الأسبق علي الحضرمي مروارا بالانتخابات الجماعية والجهوية و ما صاحبها من أحداث وما أسفرت عنه من تحالفات ومكاتب التسيير ثم وصولا إلى هذه المرحلة والتي بدأت إرهاصات نتنائج الانتخابات البرلمانية قبل حتى أن يتم الأعلان عنها بعد ما يقارب السنة تؤثر على مستوى خطاب النخبة الوادنونية و التي أصبحت فيها بعض الأطر الحزبية تستعمل أدوات غير حزبية وغير سياسية لتسويق خطاب سياسي يبدو في ظاهره حديثا لكنه في الجوهر خطاب “تقليداني” يعتمد على اليات قديمة ربما قبل نشوء مؤسسة القبيلة وغيرها من التجمعات السياسية التي عرفتها تاريخ البشرية.
ألم يحن الوقت بعد للتخلص من الخطاب التقليدي، المكرر لنفس الكلمات ولنفس الجمل و المضامين و حتى لنفس الأشخاص المفعوم بالحقد السياسي و الإقصاء القبلي و الولاء للأشخاص و المتجدر في الأفراد و في :التنظيمات”؟..
إن الإقصاء السياسي بسيف القبيلة و الال أصبح آفة الخطاب السياسي الوادنوني وصار جليا في إصدار أحكام مسبقة و صراعات قبلية و كيدية متسرعة بعضها لا يتجاوز صفحات مواقع التواصل الاجتماعي باسم تمثيلية القبائل أحيانا وباسم العشائر أحايين أخرى و باسم الوصاية على مجموعة من الأفراد ضد مجموعة أخرى تتساوى معها في المواطنة والانتماء مما يدل على أننا لا زلنا لم نتخلص من ردود الأفعال الحاقدة سياسيا ومن الفكر القبلي الضيق الذي لا يتجاوز الإطار العائلي إلى فكر مدني موسع تنظمه مؤسسات المجتمع المدني و الهيئات السياسية.
لقد انتهى دور القبيلة كفاعل سياسي منذ دخول العالم في إطار الدولة القومية l’Etat nation بما لها وعليها وصار العمل السياسي اختصاصا تمارسه المؤسسات وينبني على برامج سياسية و لا يمارسه الأفراد انطلاقا من انتماءاتهم الإثنية والعشائرية والقبلية وتأسست دولة العقد الاجتماعي في القرن السادس عشر الميلادي مع منظرين كجون لوك وجون جاك روسو وفلاسفة عصر الانوار عموما ولا زالت مستمرة وتتجدد الياتها و أنماط عملها و أشكال مؤسساتها في وقت لا يزال بعض من يصنفون انفسهم بواد نون ضمن النخبة السياسية يتخدون التجمعات العشائرية والأفراح و الاعراس الوسيلة الوحيدة لممارستهم و لاستقطاباتهم و لتصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين في أغلب الأحيان.
لا أحد ينكر و يستطيع أن بنفي دور القبيلة في التوحد والتلاحم بين أفرادها على المستوى الاجتماعي والثقافي والتضامني ولا بد من احترام مبادئها وعناصر كينونتها لكن أن تمارس القبيلة العمل السياسي و يكون لها مجلس يعتقد أنه قد يمارس اختصاصت هي كفول لمؤسسات أخرى محددة حسب الدستور والقوانين، هنا نقع في إشكالية كبرى ونرجع بالعمل السياسي سنوات ضوئية نحو الوراء، خاصة وأن القبيلة وحدة لا تحكمها آليات الانتخاب والتصويت وبالتالي التداول والتناوب وهي الآليات التي أصبحت من صميم جوهر العمل السياسي في الدولة الحديثة . فلا معنى لأن نعطي للقبيلة دورا سياسيا لا يوجد إلا في مخيلتنا، دون أن تكون وتخضع في تسييرها لتلك الآليات “الانتخاب والتصويت” ومن المستحيل أن تخضع لها لان القبيلة في تكوينها تنظيم مغلق يستقبل الأفراد لكنه لا يقبل خروجهم منها مدى الحياة مما يعني أنها في نشأتها وفي تكوينها لا تستطيع أن تستوعب إلا شكلا واحدا ونوعا واحدا من الأعضاء وحتى إن اعتبرناها دولة مصغرة فطبيعة قراراتها لا يمكن أن تسري على أناس خارج نظامها العرفي والمكاني مما يفيد أن قراراتها تمس الأفراد المنتمين إليها ولا تسري على أفراد خارج نطاقها الإثني والمكاني. وإذ اعتبرنا عامل القوة والإكراه اللدان كانت تستعملهما القبيلة في وقت سابق لبسط نفوذها وحكمها وفي وقت تتفق فيه كل القبائل على هذه الأساليب ففي الوقت الحاضر لا يولد هذا الخيار إلا الحقد السياسي والخبث المصلحي والذي ينخر المؤسسات الدستورية والسياسية وحتى الأفراد في كثير من الأحيان.
القبيلة في نظر علم الاجتماع السياسي مفهوم إقصائي بامتياز يناقض مفهوم المؤسسة المنتخبة ونقل اليات القبيلة و اعتبارها صالحة في المؤسسات بها نؤسس للتحالفات و نوزع البرامج التنموية هو ما أوصل جهة واد نون لما وصلت إليه من شلل في العمل داخل المؤسسات ومن غياب عدالة مجالية في توزيع المشاريع.
° مدير النشر