الصحراوي تحت الخيمة…بقلم: نور الدين مفتاح

نفهم ما جرى الأسبوع الماضي مع صدور قرار مجلس الأمن السنوي حول الصحراء المغربية لابد من الرجوع إلى مثل هذا الوقت من السنة الفارطة، وأقل ما يمكن أن يقال عن الوضع آنذاك أنه كان سيئا بالنسبة للمغرب، فقد كنا في مواجهة مفتوحة مع الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد بان كيمون، الذي نعتنا بالدولة المحتلة وزار المنطقة العازلة بئر لحلو وكأنها منطقة محررة من طرف البوليساريو، كما دخلنا في مواجهة شبه مفتوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي ساندت بقوة على عهد الرئيس السابق باراك أوباما توسيع صلاحيات المينورسو في الصحراء لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وكدنا ندخل في مواجهة مفتوحة مع الأمم المتحدة نفسها بعد ما جرى عقب طرد المكون السياسي للبعثة الأممية لمراقبة الاستفتاء في الصحراء، ناهيك عن نزاعنا مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس، الذي سبق أن سحب منه المغرب ثقته ولكن تشبثت به الأطراف الأخرى بدعم من واشنطن ليبقى وسيطا بلا أمل ما دام طرف من أطراف النزاع لا يرغب فيه.

لوحة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها كانت قاتمة، وقد واجهها المغرب بما يسمى بالديبلوماسية الهجومية إلى أن خرج قرار مجلس الأمن حينها بأقل الأضرار.

اليوم نحن في وضع مقلوب رأسا على عقب، فكل الأطراف تغيرت بلا استثناء، والأمين العام للأمم المتحدة المنحاز تغير برجل يعرف المنطقة ويعرف المغرب ويعرف القضية، خصوصا وأن السيد أنطونيو غوتيريس شغل منصب المفوض السامي للاجئين قبل أن يجلس على كرسي رئاسة المنتظم الأممي، والمبعوث الشخصي للأمين العام كريستوفر روس استقال وسيخلفه الرئيس السابق لألمانيا، ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية تغيّر، كما أن الوضع الذي خلق أزمة مع الأمم المتحدة قد تغير بدوره، عندما عادت كل عناصر المينورسو لتقوم بمهامها في الصحراء طبقا لاتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991.

إن التغيير على رأس قيادة البوليساريو جعل ما يسمى بالجمهورية الصحراوية أكثر اندفاعا، وزاد من هذا الأوضاع الداخلية الخطيرة التي تمر منها الجمهورية الجزائرية، بسبب احتدام الصراع بين أجنحة الحكم في ظل غياب الرئيس المريض بوتفليقة، وكان يكفي أن يعمل المغرب على تصفية بؤرة من بؤر التهريب والإرهاب في ما يسمى بقندهار في النقطة الحدودية الكركرات حتى التأمت كل هذه المتغيرات التي تحدثنا عنها، وتغير الوضع ما بين السنة الماضية التي كنا فيها في الزاوية لتصبح البوليساريو في موقف سياسي سيء للغاية، عندما دخلت بعناصرها المسلحة للمنطقة العازلة ورفضت الخروج، وأصبحت في مواجهة مباشرة مع مجلس الأمن واضطرت للخروج في النهاية بضغط من هذا المجلس، ولهذا يعتبر القرار 2351 منعطفا في مجريات النزاع على المستوى الأممي، ليس لأنه يعيد التأكيد على أن جهود المغرب ومقترحاته لحل النزاع هي جدية وذات مصداقية، ولكنه يدشن للتعامل مع المغرب كبلد متعاون ملتزم بالشرعية الدولية، وهو اليوم عضو كامل العضوية في الاتحاد الإفريقي ولاعب كبير سياسيا وتنمويا في القارة السمراء.

لسنا مغفلين لنقول إن الأمور انتهت هنا، بل لازالت أمامنا تحديات كبيرة، فنحن لا نتنازع فقط مع قادة الرابوني، ولكننا ننازع تكتلا إقليميا ودوليا يستعمل إمكانات هائلة للمزيد من إرباك المغرب، فإضافة إلى الجزائر التي كلما تدهورت فيها الأوضاع الاقتصادية والسياسية كلما حاولت تصدير أزمتها نحو جارها الغربي هناك محور إفريقي قوي ثم اختراق جزء كبير منه من طرف الرباط إلا أن المهمة لم تكتمل، فالدخول إلى الاتحاد الإفريقي هو مجرد بداية  وستكون معركتنا مع جنوب إفريقيا وبعض توابعها شرسة لإبعاد الاتحاد الإفريقي عن هذا النزاع ما دامت الأمم المتحدة هي التي تتكلف بمجرياته زيادة على أن تعديل القانون الأساسي لهذا الاتحاد هو بالنسبة للمغرب بمثابة الحتمية حتى تخرج منه جمهورية ليست لها مقومات الدولة أصلا حتى تكون عضوا في هذا التجمع الإقليمي، وإلا لماذا نجدهم من جهة يطالبون بتقرير المصير، ومن جهة أخرى يحسمون بتقرير مصيرهم كجمهورية، فهذا هو العبث!

لدينا معركة قوية مع الاتحاد الأوربي كاتحاد أولا، والمتاعب معه لن تنتهي ما دام يضم العشرات من النشطاء القريبين من الطرح الانفصالي، ونلاحظ أننا نبذل مجهودات جبارة لإقناع شركائنا بحقيقة أن ثروات الإقليم المتنازع عليه هي جزء بسيط مما يصرفه المغرب على الصحراء، ولكن الخصوم مدعومين أيضا ببعض الحكومات الأوربية حيث الرأي العام واقع تحت تأثير الدعاية الانفصالية يدفعون دائما في اتجاه ترويج تلك الصورة النمطية عن بلادنا كبلد احتلال واستغلال وقمع وهذا يتطلب مجهودات لقلب الصورة بدأناها متأخرين ولذلك تسجل علينا بين الحين والآخر بعض النقاط وللأسف.

في أمريكا اللاتينية يعتبر حدث عودة العلاقات الديبلوماسية مع كوبا مبهراً، فلم يكن يتصوره أحد، وكوبا هي ثاني عمود تتكئ عليه البوليساريو، وهذه بداية مشجعة لاختراق هذه القارة التي يمكن أن نقوم فيها بما يمكن أن نسميه النموذج المغربي في إفريقيا. لقد سبق للمكتب الشريف للفوسفاط أن اخترق دولا عديدة في الجنوب الأمريكي في إطار سياسته الانفتحاية التي دشنها منذ سنوات، وبالمزاوجة بين التنمية والمصالح المشروعة بعيدا عن الاصطفافات الإيديولوجية التي عفا عليها الزمن يمكن أن نربح الرهان.

إن كل هذه اللوحة التي تبعث على التفاؤل ليست ثابتة، فالرمال في السياسة كما هي في الصحراء متحركة، ولكن الثابت الأكيد هو أوضاعنا الداخلية والتماسك بين مكونات الشعب المغربي الذي نراه أحيانا بسبب غضب اجتماعي مشروع ينحو إلى نزعة انفصالية مشؤومة وخصوصا في بعض مناطق الشمال. وأما الصحراء داخليا، فالصراحة تقتضي القول أن الوضع فيها أعقد من وضع تدبير ملفها على المستوى الأممي، فهناك تضارب للمصالح وفوارق وأحزاب ابتزاز ومشاريع طموحة رصدت لها ملايير الدولارات تصطدم بشهيات مفتوحة  وبطون شرهة لا يهمها البعد الوطني للقضية ولكن يهمها المغنم، والحمد لله أن هناك من رحم ربك من الوطنيين الحقيقيين الذين مازالوا يمسكون بعروة الوحدة وهم بحاجة للدعم حتى تطرد العملة الصحيحة العملة المزيفة. هذا هو الوتد الذي يحمل خيمة كل هذا المجهود الغربي عبر العالم، وأهل الصحراء أدرى بالخيمة ومقومات انتصابها.

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

ads1
التخطي إلى شريط الأدوات