عند المنعطف المُفضي إلى دوار السوق أوفلا بجماعة إفران الأطلس الصغير تنتصب علامة أسفلَها سهم يوجّه الزائر إلى “ملّاح أوفران”، حيث استوطن اليهود منذ قرون من الزمن، وشكّلوا مع المسلمين تعبيرا جليا عن التعايش الديني الذي تميزت به المملكة ومازالت إلى اليوم.
لم يتبقّ من البيوت التي عمّرها اليهود في ملاح أوفران، وأماكن العبادة التي كانوا يؤدون فيها شعائرهم الدينية، إلا الأطلال، تستجدي مَن يُنقذ ما تبقى منها، بعد أن حاولت جرّافات أحد المستثمرين تسويتها بالأرض قبل نحو عشر سنوات، وتحويلها إلى ملْك خاص، وهي العملية التي تمّ التصدي لها من طرف أبناء البلدة، لكن آثارها كانت وخيمة.
على الطريق المعبَّد الذي يخترق دوار السوق أوفلا تنتصب علامة تدل على المعبد اليهودي “Synagogue”، الذي صار شبه مندثر ولم تتبقّ سوى أجزاء من أسواره المبنية بالحجارة والتراب، غير أن ذاكرة مَن بقي في البلدة من المسلمين الذين عاشوا في فترة التواجد اليهودي مازالت تحتفظ بصور مشرقة من التوافق والتسامح والتعايش اليهودي الإسلامي خلال الحقْبة التي عاش فيها اليهود بالمنطقة.
الحنين إلى الماضي
مازالت ذاكرة علي أوحماد، أحد أبناء البلدة الذين عاصروا فترة التواجد اليهودي في ملاح أوفران، تحتفظ بالتفاصيل الدقيقة لصور التعايش والتفاهم الذي ساد بين اليهود والمسلمين في المنطقة، ومنها تبادل الزيارات في الأعياد الدينية، والمناسبات الاجتماعية، وتقاسم الطعام، والتبادل التجاري…
يتذكر الشيخ الذي يدنو عمُره من ثمانين حولا كيف كان يصطاد السمك رفقة أصدقائه، وكان حينها طفلا صغيرا، من الوادي الذي تجثم على ضفافه بيوت السوق أوفلا، ويبيعونه لليهود، كما مازال يتذكر طعم الخبز الذي كان يصنعه اليهود وكأنه تذوّقه بالأمس فقط، قائلا: “كانت نساؤهم يعددن خبزا عجيبا ولذيذا في أعيادهم الدينية ويتشاركونه مع المسلمين”.
ويروي علي أوحماد في حديثه لهسبريس، خلال لقاء عابر وسط دوار السوق أوفلا، أنه كان نائما حين سمع جلبة في الخارج، وحين خرج ليستطلع الأمر وجد اليهود قد تشكلوا في مجموعة من حوالي ثلاثين فردا وهم على أهْبة الاستعداد لمغادرة البلدة، مضيفا: “لا أعرف إلى أين ذهبوا تحديدا، قيل إنهم غادروا نحو مدينة الدار البيضاء، وبعد مدة عاد بعضهم واصطحبوا معهم المتبقين هنا”.

