بقلم : محمد مزين*
في عالم أصبحت كل الأحداث تأخذ مجرى الموجة، باتت كل الدول و بدون إستثناء عرضة لتغيرات سياسية و إقتصادية وإجتماعية داخلية و خارجية. لا سيما بعد زلزال وول ستريت الذي ضرب أسواق المال العالمية سنة 2007-2008 مفجرا بذلك أخطر أزمة مالية بعد أزمة الكساد العظيم لسنة 1929. وإذا كانت هذه الأخيرة اضطرت كينز إلى استخدام عجز الموازنة و التخلي عن فكرة ادام سميث لليد الخفية إلى اليد الظاهرة بتدخل الدولة في السياسة المالية، فإن الأزمة الأخيرة أصابت الرأسمالية المتوحشة (ماركس) بنوبة قلبية.
غير أن هذا النظام أصبح على ما يبدو قائما على فكرة الضربة التي لا تقتلني تقويني و أصبحت الأزمات بمثابة المضاد الحيوي بالنسبة له، و لم يبقى أمام العالم إلا النظام الإسلامي كمنقذ للبشرية من الكوارث كونه وحي يوحى و لا يخضع لنزوات البشرليقود مسيرة البشرية إلى بر الأمن و الأمان.
بعد الطفرة التي شهدتها التمويلات الإسلامية على مدى العقود الثلاثة الماضية ، خاصة في دول شمال إفريقيا و الشرق الأوسط و جنوب شرق اسيا.إ ذ سجلت رقم معاملات بلغ 2000 مليار دولار سنة 2015 بنسبة نمو بلغت %15+ سنويا و من المتوقع أن تصل إلى 4000 مليار دولار في أفق 2020. أرقام فلكية سالت معها لعاب السلطات المالية المغربية التي ظلت تتحفظ لسنوات على إدخال هكذا نظام و الإقرار به. ماهي إذن ماهية هذا النظام الجديد المتقادم ؟ و ماهي فرص نجاحه في المغرب و كذا مجمل التحديات التي ستواجهه و التي لن تكون بالقليلة ؟
يقصد إذن بصيغ التمويلات الإسلامية تلك الأساليب و الأدوات التي تستخدم في تمويل المشروعات العامة و الخاصة التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية مع العدل و البعد عن الظلم و تشجيع المشاركة المجتمعية الأكبر في الأنشطة الإقتصادية بالمجتمع، و تأخذ صيغ التمويلات الإسلامية أحد الشكلين : صيغ البيوع مثل بيع المرابحة و بيع السلم و صور المشاركة في الأرباح و الخسارة منها المشاركة و المضاربة، أما صيغ المشاركة في الإنتاج فمنها المزارعة و المساقاة؛ هذه التمويلات تقوم على مبادلة السلع بالمال و ليس المال بالمال ( الرأسمالية) و نبد سلوك الإحتكار و الربا و الغرار و اقتسام الربح و الخسارة و تحمل المخاطر على عكس البنوك التقليدية.
قرر المغرب إذن إعطاء الضوء الأخضر لبدء العمل بالبنوك التشاركية (الإسلامية) حتى و إن كانت التسمية غير ما نقصده لحاجة في نفس يعقوب أخفاها؛ فإن هذه الأخيرة تشكل مزيجا بين النطام الإسلامي و التقليدي في حالة آستثناء لم يسبق لها مثيل، سميت كذلك بالتشاركية لأن تأسيس هذه الأبناك يقوم على الشراكة بين البنوك المغربية و الأجنبية ذات الخبرة في المجال على أن لاتتجاوز مساهمة هذه الأخيرة %49 كحد أقصى في حين يسيطر البنك المغربي على حصة لاتقل عن %51.
للإشارة وفقط هاته المؤسسات هي مؤسسات ربحية تهدف إلى الربح المشروع و ليست مؤسسات خيرية توزع النقود، بالإضافة إلى كون 15 في المائة من زبنائها في العالم ليسو مسلمين. دائما في إطار الإستثناءات المغرب هو آخر دولة ذات الغالبية المسلمة التي توفق على العمل بنظام التمويلات الإسلامية لإعتبارات سياسية و اقتصادية، ناهيك عن قانون المغربة لسنة 1973 و تعدد المتدخلين في القطاع إلى جانب حساسية هذا الآخير.
إلا أن العمل بهذه البنوك سيدر على الإقتصاد الوطني أرباحا كثيرة لعل أقلها رفع نسبة المتعاملين مع القطاع البنكي (%62 حاليا)، وكذا توفير فرص الشغل إذ من المتوقع أن تتحقق هذه البنوك رقم معاملات يصل إلى 1 مليار درهم عند الإفتتاح، كما ستشكل هذه المصارف ركيزة أساسية لتوفير السيولة المطلوبة للشركات بدلا من اللجوء لسندات الإيداع الدولية، علما أن الإقتصاد المغربي يعاني الآمرين من نقص السيولة و ضعف تنافسية القطاع البنكي إذ تبقى نسبة مساهمته في الناتج الداخلي الخام ضعيفة جدا، وهو ما من شأنه تشجيع المستثمرين الصغار على الإدخار و تنويع رؤوس الأموال لتمويل خطط و برامج التنمية.
رغم كل هذا وذاك وبين مؤييد و معارض وتبيان القراءات إلا أن هذه التجربة و لاشك ستفتح أفق تمويلية و آستثمارية جديدة أمام الإقتصاد المغربي و عليه نأمل أن يتم تشجيع مثل هكذا مبادرات عن طريق الإعفاءات الضريبية و الإستفادة من تجربة المنتوجات البديلة و عدم تكرارفشلها و تمكين هذه المؤسسات من اليد العاملة المؤهلة لتحقيق الأهداف المتوخاة.
صحيح أن هذه التجربة لازالت قيد الولادة و قد يتطلب الأمر عملية قيصرية و لسنا مؤهلين للحكم عليها، لكن علم الإقتصاد علمنا مبدأ التوقع للتقليل من أثر الصدمة، كل هذا و غيره كثير لم و لن يحصل إلا إذا توفرت الأجواء الملائمة للمنافسة الحرة و النزيهة وفقا لقانون السوق القائم على مبدأ العرض و الطلب.
*طالب بسلك الدكتوراة بجامعة محمد الخامس ـ الرباط ـ