وقف برهة،إلى أي جهة سيقصد،و هو غريب في مدينة أرادها كمدخل لاكتساب حياة جديدة تصل به إلى بر الأمان،سأل نادل المقهى :سمح لي خويا باغي نسيقسيك؟؟
أجابه النادل:نعم أخويا اش حب الخاطر؟
الصْغِيرْ:كنقلب على شي خدمة فهاد المدينة،واش فراسك شي واحد كيقلب على شي خدام؟
النادل:عندك مع غسيل الطباسل؟
الصْغيرْ:ايييه
النادل:دوز عند الباطرون
ذهب فرحا و متسارعا في خطواته ما دام الحظ هذه المرة إلى جانبه، دخل على صاحب المقهى ،سلم عليه و استفسره عن عمل يجده عنده، فسأله المشَغِّلْ:واش عندك فين تسكن.
أجابه الصغير:لا انا اليوم لي وصلت لطنجة.
المُشَغِّلْ:أنا محتاج لعساس ديال الليل،غادي تخدم بالنهار،وتبقى تنعس بالقهوة،راه كاينة واحد البيت خاوية.
فرح الصغير،إشراقة شمس يوم جديد و في مدينة جديدة و بعمل جديد و مسكن جديد،و بداية جديدة…،حمل أغراضه ووضعها بمقره الذي سيسكن به،وانتقل ليبدأ عمله بالمقهى،الصغير أصبح فاعلا و له دور في هذه الحياة،براتب يتقضاه على عمله،حتى ولو كان هزيلا إلا أن الإعتراف الذي كان يفتقده ،وجده في عمله،على الأقل فالصغير لم يعد خائفا من الغد ،هناك عمل ينتظره وبيت يأويه،الصغير منهمك في غسل الأواني صحن تلو صحن ،و كرأس تلو كأس،النادل كان إسمه سعيد،توطدت العلاقة بينهما،جلسا في أحد الأيام بعد الإنتهاء من عملهما ،يتبادلان أطراف الحديث،سأله سعيد:فاش خرجتي من القراية؟
الصغير: مبتسما ، القراية مكاتسلي باش نخرج منها،أنا عندي دبلوم فالدراسات العليا السلك الثالث تخصص إنجليزية.
سعيد:واش جابك لهاد المهنة؟علاه ما تقلب لشي وظيفة تناسبك؟
الصغير:سول مئات الآلاف بحالي، أو شوف صندوق النقد الدولي لي كيفرض على الدول المستدينة إلى بغاو الاقتراض خاصهم يتقشفو فقطاعين هما التعليم و الصحة،لي هما من ضروريات التنمية البشرية…
سعيد:مافهمت والو!!!!
الصغير:ايوا تقليدك على هادوك لي نفدو شروط صندوق النقد الدولي.
الصغير عاش حياته بين الدراسة و الدراسة،كان بعيدا عن متغيرات الحياة اليومية،كان يتخيل الواقع شيئا آخر غير الذي اصطدم معه،عندما قرر أن يستفيد مما اكتسبه في دراسته النظرية،لكنه وجد محيطا آخرا لا يعترف فقط بما لديك،بل ماذا ستعطي كي تكسب.
في أحد الأيام وهو منهمك في غسل الصحون،وحده دون ونيس،أحس أن دوره في هذه المهنة ما زال مثل دوره في الحياة،أصبح ينبذ الإنزواء ،فقرر أن يستغل يوم عطلته الأسبوعية ،كي يبحث عن مهنة أخرى أكثر فاعلية ، يتجول بين شوارع المدينة السياحية،ويتأمل في عمرانها العصري و طول بناياتها، لمحت عينه إحدى الفنادق المصنفة،يقف أمام مدخلها رجلا بزي تقليدي مرتديا طربوشا أحمر،ولا تفارق محياه الإبتسامة،يوزعها على مرتادي الفندق،فقرر الصغير أن يستكشف هذا الفندق ،فسرع خطواته وإذا به يقف أمام مرآة عاكسة،ليرى نفسه وهو يرتدي ثيابا لا تناسب و زوار الفندق،فقال في خاطره:سير اولدي خدم هاد الأسبوع وجمع ليك شي رْزيِّقْ و شري ليك شي لابسة جديدة يا وجه الزلط…
يتبع…