افترش الأرض بالقرب من مسجد يأوي إليه يوجد بالقرية، قاصدا أمن الله طالما افتقده،غلبه النعاس فجأة حتى ايقضه المؤذن وقت الفجر كان يظنه من الذين يخطون في الظلمات من أجل عبادة الخالق و الناس نيام،في حين أن عبادة الصغير انحصرت في الصبر على قدره المشؤوم،قرر أن يتوضأ و ينضم إلى صفوف المصلين، إختار أن ينزوي إلى ركن بعيد كعادته،إحساسا منه أنه أقل من الآخرين،أحس عندها و لأول مرة في حياته أنه فاعل في هذه الحياة، أتم الصلاة و حمل معه حقيبته متوجها مرة أخرى إلى نقطة انطلاقة جديدة،ستحمله إلى عالم جديد سيصبح فيه الصغير رجلا أخر تكبر معه طموحاته التي سبق وأن انكسرت سالفا ، وصل إلى المحطة فسمع صوتا بالقرب منه، التفت متعجبا من يعرفه في هذه القرية الصغيرة و هو أول مرة يزورها، عندها تسمر في مكانه عندما وجد مناديه شيخا كهلا يتكئ على عكاز مقوس يوحي بأن هذا العود الملتوي لم يفارق هذا الكهل لعقود مضت،عود أبى ألا يخدل صاحبه ورفيقه، خشب يرمز إلى الوفاء و الصمود ،هو الدرس الأول الذي تعلمه من نظرته الأولى لذلك الرجل المسن،فلا حياة مع اليأس و لا يأس مع الحياة،فقال الصغير:نعم ا الحاج واش تكلمتي معايا، أجابه الشيخ:اييه اولدي بيه شفتك غريب على هاذ الدوار و باينة فيك مامخالط.
فأجابه الصغير: حطني الكار فهاد القرية و أنا باغي نمشي للمدينة.
الشيخ :ضاحكا واش مدينة فالمدن؟
الصغير:أي مدينة من غير مدينتي؟
الشيخ:ضاحكا مرة أخرى قول أنا مسافر لمدينتي ، فالمقصود مرغوب.
الصغير:بحالاش الحاج؟
الشيخ:بنادم لي ساكن فمدينتو و كيرحل عليها ،ما تلات ديالو،انت قاصد مدينة تلقى فيها راسك وتعيش فيها كيف بغيتي.
الصغير: متأطأ رأسه، مدينتي عزيزة عليا و لكن الغالب الله.
في تلك اللحظة تبادرت إلى ذهن الصغير أفكار شتى،من جراء ما قاله ذلك الشيخ، العيش الكريم غير مرتبط بالأرض التي تحبها و تعشقها،أن تحب مدينتك ليس بالضرورة أن تبقى متصلا بها بالجسد…
ركب الصغير الحافلة دون أن يسأل مرة أخرى عن مكان الوصول،خوفا من المجهول،فانكسارته المتكررة جعلته إنسانا فاقدا للثقة في نفسه، تحركت الحافلة مع إشراقة الشمس الساطعة ،أخدت طريقا مستقيما لا اعوجاج فيه،الخضرة تملأ جوانب الطريق،كما ولو ان القدر يقول للصغير ،لا تحتقرن الهوامش فربما يكون الأجمل في الوجود،استمتع في الطريق بروعة المكان ،ارتاحت معه نفسه و هو يتأمل و لا يتألم هذه المرة،قال في خاطره ربما هي بداية جديدة …،وصلت الحافلة إلى مدينة كما أراد،ترجل منها و كله نشاط و همة، الصغير أصبح يخطو خطوات الكبار رغم أن الغد الذي ينتظره ما زال مبهما،لكن على الأقل و في تلك اللحظة راوده إحساس يلفه أمل جديد و برغبة جامحة،وصل إلى إحدى مقاهي المحطة،رغبة منه في تناول فطور الصباح،طلب شايا منعنعا و خبزا مرفوقا بزيت ، جلس هذه المرة وسط المقهى بين الزبائن ولم يختر الركن،سأل أحدهم عن إسم هذه المدينة،فأجابه بأنها مدينة طنجة،عندها أحس الصْغِيرْ أن قدمه خطت خطوة إلى الأمام،وفي خاطره همسات ذلك الشيخ المسن الذي قال له:لي ساكن فمدينتو و هجرها ماتلات ديالو، رسالة لم يفهمها بعد…
