بقلم : عزيز الوحداني
رتب حقيبته و قرر السفر إلى مكان بعيد عن مسقط رأسه، يجد فيه نفسه غريبا عن أهله، يقينا منه أن الغربة لها فوائدها على المرتحل،هي تراكمات جعلته يتخد هذا القرار، تفكير متواصل يحمل هموم مدينته التي طالما كان يرى فيها تلك الأيقونة التي ستبهر الجميع،أمل ثم أمل ثم انكسار،يصارع و يمني النفس،حتى جاء اليوم الذي استنهض فيه قواه وقرر الرحيل،حمل حقيبته وودع عائلته عن مضض،لكن الواقع فرض نفسه بلا استشارة ،استقل تاكسي المدينة متوجها إلى محطة المسافرين،أخد تذكرة الرحيل دون تحديد الوجهة،فقراره لم يعد بيده،فقد استسلم كليا إلى قدره المحتوم،لم يعد ذلك الإنسان الذي يخطط و ينفد،أصبح رقما كسائر الأرقام بل أصبح صفرا على اليسار،عنوان حياته سيظل هامشا على الطريق،استقل الحافلة و هو ينظر إلى الركاب بتأمل و تألم،أحس نفسه اليتيمة من كل شيء،ماض بئيس،و مستقبل مجهول غير محدد، تحركت الحافلة و أخدت طريقا كلها منعرجات ،جعلته يتمايل يمنة ويسارا،دون أن يستريح في مقعده،فتذكر مسيرة حياته المنقلبة بين الشقاء و البؤس،غير متحكم في زمامها،حتى إسمه الشخصي كما و لو ان القدر أصر على حرمانه من الانعتاق من حياته البئيسة،فمنح إسما صغيرا، كما ولو ان حياته إنتهت عند بدايتها،صغير في أعين الناس ،صغير في طموحه،صغير أمام أهوال الحياة،لا يحق له أن يكون من بين الطامحين….،وصل الصغير عندما إنتهت وجهة الحافلة،سأل أحد الركاب عن إسم هذا المكان،فأجابه :إنها قرية ولاد فرج،كانت الساعة آنذاك الثالثة صباحا ، فاصطدم الصغير…يا ربااااه اش هاد الزهر خرجت من مدينة و طحت فدوار، أول محطة يصل إليها كانت هي الأخرى فال بؤس و فشل،قرية حتى أهلها لم يوفروا ولو فندقا للزائرين،كما ولو ان حالهم يقول لا مرحبا بالزوار،ارحلوا عنا فلا يوجد عنا ما تريدون،نام الصغير ليلتها في العراء يندب حظه و ينتظر بزوغ شمس يوم جديد يبحث فيه عن حافلة أخرى من أجل السفر إلى مدينة جديدة.
عزيز الوحداني